لبنان يستعد.. مشاورات ولقاءات قبل «معركة الخميس»

الأنظار في لبنان تتوجه نحو جلسة حاسمة يعقدها مجلس النواب، غدا الخميس، في «معركة معقدة» لا تخلو من آمال بالتوافق على اسم الرئيس.

واليوم الأربعاء، تتكثف المشاورات بين أعضاء مجلس النواب عشية انعقاد جلسة برلمانية لانتخاب رئيس بعد أكثر من سنتين من شغور رئاسي وتترافق مع ضغوط خارجية لإتمام الاستحقاق.

ويبرز اسم قائد الجيش جوزيف عون كالمرشح الأوفر حظا حتى الآن، وتجمع تصريحات سياسيين وتقارير إعلامية على أنه يحظى بدعم أمريكي واضح.

وتنعقد الجلسة العامة للبرلمان الخميس بدءا من الساعة 11 قبل الظهر (9,00 ت غ)، لانتخاب خلف لميشال عون الذي انتهت ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2022،

لكن البرلمان فشل في حينه خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس، في ظل تمسّك حزب الله، أبرز قوة سياسية وعسكرية آنذاك، بمحاولة فرض مرشحه سليمان فرنجية الذي كان قريبا أيضا من الرئيس السوري بشار الأسد، الذي سقط نظامه في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

لكن حزب الله تلقّى ضربات قاسية في مواجهته مع إسرائيل التي استمرّت سنة تقريبا على خلفية الحرب بين حركة حماس وتل أبيب في قطاع غزة، ما أضعفه إلى حدّ بعيد.

ومنذ صباح اليوم، تعقد كتل نيابية اجتماعات متلاحقة ومشاورات لحسم اسم مرشحها،  ففي بلد متعدّد الطوائف والأحزاب، لا توجد أكثرية واضحة في البرلمان، ويصل الرئيس إلى منصبه عادة بـ"توافق" وتسويات.

وبموازاة ذلك، يعقد الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جان إيف لودريان الذي وصل أمس الثلاثاء إلى بيروت، لقاءات مع قوى سياسية عدة بينها حزب الله، تتركّز حول الانتخابات الرئاسية.

وكان الموفد الأمريكي إلى لبنان آموس هوكشتاين قد أجرى أمس الثلاثاء لقاءات مماثلة مع نوّاب وشخصيات سياسية مختلفة.

ونقل نوّاب التقوا به انطباعا واضحا بأن واشنطن تعمل على أن يفوز عون بالرئاسة.

وذكرت وسائل إعلام لبنانية عدّة أن هوكشتاين أكّد خلال لقاء تم في منزل النائب فؤاد مخزومي أن "العماد جوزيف عون لديه مواصفات رئيس الجمهورية، وإن كان ليس الوحيد".

ومع أن حزب الله لم يفصح بعد عن موقفه، لكن يبدو واضحا أنه يعارض انتخاب عون.

ونقلت تقارير إعلامية عن حليف حزب الله، رئيس مجلس النواب نبيه بري، قوله إن قائد الجيش "لا يحظى بالتوافق"، وإنه لا يحبّذ إجراء تعديل دستوري لانتخابه، إذ أن الدستور لا يسمح بانتخاب موظفين من الفئة الأولى وهم في المنصب.

كذلك يعارض التيار الوطني الحر الذي يتزعمه النائب جبران باسيل، صهر الرئيس السابق ميشال عون، وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا الرئاسي.

وتعقد كتلة القوات اللبنانية، الكتلة المسيحية الأبرز، اجتماعا مع كتل أخرى حليفة ونواب مستقلين مساء الأربعاء من أجل إعلان "دعم مرشّح واحد للمعارضة"، وفق ما قال مصدر في الحزب لوكالة فرانس برس، إلا أنه لم يجزم ما إذا كان قائد الجيش.

وفي المقابل، أعلنت كتل سياسية صغيرة ونوّاب مستقلون علنا دعمهم لقائد الجيش، على رأسهم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.

الموفد الفرنسي اجتمع اليوم الأربعاء مع بري ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمّد رعد وعدد من النواب.

وفي منشور على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي، قال النائب المعارض ميشال معوض عقب لقاء جمعه و4 نواب آخرين مع لودريان، إن هناك توجّها لدى الحاضرين لدعم قائد الجيش.

ويشدّد الموفدون الدوليون خلال لقاءاتهم في بيروت، وفق مسؤولين لبنانيين، على ضرورة إنجاز الانتخابات الرئاسية.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس إن لودريان أصرّ خلال لقاءاته على "ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، كخطوة أولى على طريق عودة المؤسسات اللبنانية إلى العمل".

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأربعاء "للمرّة الأولى، منذ الفراغ في سدة الرئاسة، أشعر بالسرور لأنه، بإذن الله، سيكون لنا غدا رئيس جديد للجمهورية".

في وسط بيروت، على بعد أمتار من مقرّي البرلمان ورئاسة الحكومة، تأمل ميسا قزي أن يتم إنجاز الاستحقاق الخميس.

وتقول لفرانس برس "غالبا ما يُفرض رئيس من الخارج، أو من الداخل ويكون حاميا للفساد. لكن هذه المرة أتمنى أن يصل رئيس بإرادتنا".

لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت كريم بيطار يرى أن الأمور لن تتمّ بهذه الطريقة.

وقال:"كما يحدث غالبا، في اللحظة الأخيرة، تعبّر القوى الإقليمية والدولية الكبرى عن تفضيلاتها وتمارس الضغط على النواب الذين يتبعون ببساطة، ويلتحقون بالركب، ويرغبون في أن يكونوا في صف الجانب الفائز".

ولا يفرض الدستور على المرشحين لرئاسة الجمهورية تقديم ترشيح رسمي.

ويتم التداول بأسماء عدة الى جانب المرشحين التقليديين، بينها مدير صندوق النقد الدولي في الشرق الأوسط جهاد أزعور، والمدير العام للأمن العام بالإنابة الياس البيسري الذي يحظى، وفق صحيفة "الأخبار"، بدعم بري.

ويرى بيطار أن الحرب التي خاضها حزب الله وإسرائيل على مدى سنة وانتهت بقبول حزب الله باتفاق لوقف إطلاق النار ينص على انسحابه من المنطقة الحدودية ونزع سلاحه، "غيّرت بالتأكيد المعادلات السياسية في لبنان".

واعتبر أن حزب الله لم يعد "قادرا على فرض شخصية قريبة جدا من معسكره بعد سقوط النظام السوري وإضعاف الحرب له".

ويشترط في رئيس الجمهورية اللبنانية أن يكون مسيحيا مارونيا (أكبر الطوائف المسيحية في لبنان)، وأن يحصل على ثلثي أصوات نواب البرلمان (86 نائبا من أصل 128). في الجولة الأولى للانتخاب، أو الحصول على 65 صوتا في الجولة الثانية للانتخاب بنفس الجلسة، شريطة وجود ثلثي أعضاء المجلس داخل الجلسة (86 عضوا)، وهو ما لم يتحقق خلال الجلسات الـ12 السابقة.

الفراغ الرئاسي الذي يعانيه لبنان تزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة أدت إلى انهيار في سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية ومواد الطاقة، وأثر سلبا على حياة اللبنانيين، الذين فشل رئيس حكومتهم نجيب ميقاتي في إعلان تشكيلته الحكومية منذ مايو/أيار 2022 بسبب الخلافات السياسية.