|
اخبار محلية
أقيال اليمن: هل يشكلون عنصرية مضادة؟
رياض حمادي من التغييرات في مناهج التعليم، في المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا الحوثيين، حذف جزء من الهدف الأول من أهداف ثورة 26 أيلول (سبتمبر) 1962م في الطبعات الجديدة لكتاب التربية الوطنية للصف الخامس المطبوع في صنعاء عام 2017. يتعلق الجزء المحذوف بـ “إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات”، وهو هدف لم يتحقق تماماً منذ إعلانه، وكان الأَولى إبقاء هذا الجزء وحذف الجزء الأول المتعلق بـ “التحرر من الاستعمار ومخلفاتهما”؛ كون هذا الهدف كان خاصاً بالاحتلال الإنجليزي لجنوب اليمن حينها. الهدف من حذف الجزء أعلاه هو أنّ سياسات وممارسات الحوثيين تناقضه تماماً؛ فجماعة الحوثيين قائمة على الفصل وتكريس الفوارق والامتيازات بين الطبقات، مثلما قامت مؤخراً بالفصل بين الجنسين في جامعة صنعاء في خطوة لا يبدو أنّها ستتوقف عند هذا الحد، إلى غيرها من الممارسات العنصرية التي قوبلت بالرفض بظهور حركة الأقيال على وسائل التواصل، وكانت واحدة من طرق محاربة حركة الأقيال بوصفها “عنصرية مضادة”. وهناك من يشير إلى محاولة إخوان اليمن احتواء الحركة، وتطويعها لصالحهم، ومن ينتقدها من باب افتقارها للوضوح وعدم تحديد موقفها من قضايا عديدة. وستسعى هذه المادة لتحليل خطاب الأقيال وخطاب الحوثيين للكشف عن العنصرية والعنصرية المضادة إن وجدت. الماضويات التاريخية والعرقية والدينية أقيال جمع قيل، والقَيْل في اللغة اليمنية القديمة مصطلح “يشير إلى أبناء وأحفاد الملوك من الممالك اليمنية التاريخية”، لكنّه يطلق اليوم على كل شخص يناهض فكرة “الاصطفاء الإلهي” في الحكم، ويدعو إلى هوية يمنية واحدة أساسها المواطنة والديمقراطية. ومن أجل هذا الهدف ظهرت حركة (الأقيال) عفوياً على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أعوام من استيلاء الحوثيين على السلطة، ولاقت رواجاً منذ عام 2020. وقد اتخذت الحركة من الوعل رمزاً لها، وتضم طيفاً من الشباب والكتّاب والأدباء والصحفيين والإعلاميين اليمنيين. من يستعملون مصطلح قيل أو أقيال -أو إكليلة (للنساء)- اليوم يعون أنّهم ليسوا أبناء ملوك، وإنّما هو مصطلح يُرفع في وجه العنصرية السلالية. بينما “الهاشمي” في اليمن لم يعد لقباً يفيد التعريف، وإلا لكان أحفاد أبو لهب والحارث يفتخرون بأصلهم الهاشمي. الـ “هاشمي/ة” صفة، تريد التمييز لا التعريف، أو هو تعريف يميز بين من ينتمي لبيت النبي، ومن ينتمي للعامة. ويستتبع هذا التمييز الضمني تمييز واضح في صفة “شريف” و “شريفة” وجمعهما “أشراف”. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد في اليمن؛ فـ “أشراف” اليمن يطالبون بالحكم بناء على هذه التراتبية ثم يمارسون حكماً قائماً على الاضطهاد. تستند قومية الأقيال إلى التاريخ، أمّا الهاشمية، فمرجعيتها الاصطفاء الإلهي: “إنَّ اللهَ تعالى اصْطفَى كِنانةَ من ولَدِ إِسماعِيلَ، واصْطَفَى قُريْشًا من كِنانَةَ، واصْطفَى من قُريْشٍ بَنِي هاشِمٍ، واصْطفانِي من بَنِي هاشِمٍ.” دون تحديد سبب لهذا الاصطفاء! ومن يقرأ مرويات التاريخ الإسلامي يعرف أنّ هذا الاصطفاء لم ينتهِ عند النبي، ولا اقتصر عليه بحكم نبوته، بل استمر في فاطمة وعلي والحسن والحسين. ولذلك: لا يمكن أن يكون المرء هاشمياً ولا يكون سلالياً/عنصرياً، فليس هذا الانتماء العرقي مساوياً لانتماءات جغرافية أو تاريخية تهدف إلى التعريف، كأن يقول فلان إنّه حَمَّادي أو قُبَاطِي أو خَوْلانِي أو كَوْكَبانِي… إلخ، بالرغم من أنّ “المناطقية” اتخذت شكلاً عنصرياً في الخطاب اليومي، وشكلاً سياسياً ميَّز بين “اليمن الأعلى” و “اليمن الأسفل”، ولعل هذا التمييز هو ما أدى إلى احتكار السلطة في أبناء “اليمن الأعلى”، بمعنى أنّ هذا التقسيم ليس جغرافياً فحسب، وإلا لما استتبعه استحقاق سياسي. تنطوي العنصرية على فكرة الأفضلية، وهي فكرة متأصلة “مقدسة”، لا طارئة، كما هو حال فكرة الأقيال. “العنصرية هي الاعتقاد بأنّ مجموعات من البشر تمتلك سمات سلوكية مختلفة، وتقوم على أساس تفوق عرق على آخر. وقد تعني أيضاً التمييز أو العداء الموجه ضد أشخاص آخرين، لأنّهم ينتمون إلى عرقية مختلفة… وهي كل شعور بالتفوق أو سلوك أو ممارسة أو سياسة تقوم على الإقصاء والتهميش والتمييز بين البشر على أساس اللون أو الانتماء القومي أو العرقي”. وقد مارس الحوثيون هذا النوع من العنصرية ضد البهائيين في اليمن، فسجنوهم واضطهدوهم، ومارسوها من قبل ضد يهود اليمن فطردوا ما تبقى منهم، كما طردوا السلفيين من دماج، إلى غيرها من الجرائم التي ارتكبها الأئمة في حق اليمنيين؛ لا لشيء إلا لأنّهم اختلفوا معهم في الرأي، أو لم يقبلوا أن يكونوا عبيداً لهم. الأقيال ونقد الماضوية هناك من يرى أنّ الأقيال “يشيطنون الحوثيين”، ويوفرون لهم الذريعة! وكأنّ الحوثيين بناء على هذا القول “ملائكة”! وبحاجة لذرائع لممارسة ما ارتكبوه من جرائم منذ استيلائهم على السلطة بالقوة! وهناك من يساوي بين فكرة الأقيال (النظرية) التي محلها وسائل التواصل وهدفها الاحتجاج والتعبير عمّا وصل إليه حال اليمن من تمييز، وبين جماعة تمارس العنصرية قولاً وفعلاً على الأرض! وفي سياق نقد فكرة الأقيال واستدعاء التاريخ والفخر به، هناك من كتب بأنّ “اليمني مصاب بجرح نرجسي”، ناسياً أنّ الأمم تتفاخر بتاريخها! فهل هي مصابة بالجرح نفسه؟ وإذا ما اعتبرناه جرحاً نرجسياً، فهو لم يُنكأ إلا حين استولت السلالة العنصرية على السلطة، وهي من يومها تسوم اليمنيين العذاب. في هذا السياق لا يستعيد اليمني ماضيه إلا كسلاح في وجه قاتليه العنصريين. وتطبيب الجروح العنصرية لن يكون إلا باستئصال أشكال العنصريات كافة والاحتكام إلى الديمقراطية في الوصول إلى السلطة. في مشهد من فيلم (Dear White People) “أعزائي البِيض”، ترُدُّ سام وايت على اتهام عميد الجامعة لعرض الطلاب المسرحي بأنّه “عنصري” بقولها: “لا يمكن للسود أن يكونوا عنصريين. متحيزون، نعم، لكن لسنا عنصريين؛ لأننا لا نطيق الاستفادة من نظام كهذا”. الرد نفسه يمكن أن يوجه لمن يرى في حركة الأقيال عنصرية مضادة. السُلاليون والأقيال يعودون إلى الماضي… وسنتفق على نبذ الماضوية، في جانبها السلبي، لكن قبل أن نساوي بين الماضويتين علينا أن نسأل: هل يعتقد الأقيال بأنّ أصولهم نطفة شريفة تُزكِّيها السماء، وبموجب هذا الاعتقاد يطالبون أن يكونوا حُكاماً على الناس مدى الحياة؟ هل يرفض الأقيال الديمقراطية والوسيلة السياسية للوصول إلى السلطة، كما يفعل الحوثيون؟ هل يستمد الأقيال مبادئهم من نص مقدّس؟ هل فكرة الأقيال فعل أم رد فعل؟ متى ظهرت فكرة الأقيال في مقابل فكرة الأسرة المقدسة؟ إذا عادت الأمور في اليمن إلى ما قبل الحرب، أو أفضت الحرب إلى معادلة مدنية، هل سيستمر الأقيال في التمسك بماضويتهم؟ هل الاحتفاء والاعتزاز بالماضي، بصفته منجزاً تاريخياً، يتطابق مع تمجيد الماضي وعبادته بصفته عقيدة دينية؟ هل صفة “قيل” تُمنح اليوم بناء على تراتبية أسرية عرقية، أم أنّها تُستعمل لوصف كل من هو غير سُلالي عنصري؟ مواجهة ماضوية السلالة المقدّسة بماضوية (تاريخية) هي خيار المضطرين، لكن ينبغي التمييز بين ماضٍ يعتقد أنّه “مقدّس”، وماضٍ يعتقد أنّه “مجيد”، بين فعل وردّ فعل، بين العنصرية ومناهضتها، بين هوية محتكرة تستثنيك منها، وأخرى تحاول أن تجمع ولا تمنع الانتماء إليها. ومن منظور الجدل الهيجلي لا بد للفكرة السالبة المسيطرة من نقيض إيجابي ينفيها في سبيل تحقيق مُركب ثالث. واتخاذ الماضي كإيديولوجيا قومية إيجابية لمواجهة إيديولوجيا ماضوية دينية سلبية هو أمر محمود. توصيات للمستقبل ليست العودة إلى الماضي سيئة ما دامت تتطلع إلى المستقبل وتضع لنفسها أهدافاً إيجابية. مع ذلك ينبغي نقد فكرة الأقيال وتوجيهها لمنعها من التحول إلى عنصرية مضادة فعلاً. ويمكن أن نساعد في النقد والتوجيه. وأوّل ما نأخذه على بعض الأقيال هو مواجهة النقد بالشتائم والهجوم. عليهم أن يتمتعوا برحابة الصدر، وأن ينتقلوا بفكرة الأقيال من الواقع الافتراضي إلى الواقع العملي والتأصيل الفكري المنهجي، وأن يصيغوا بشكل أوضح برنامجهم وموقفهم من بقية الأحزاب والقوى السياسية، وبطبيعة الحال موقفهم من بناء الدولة. ما أصله تربوي لن يكافح بالثقافة فقط ولكن أيضاً بتربية مضادة، تبدأ من الطفولة في البيت والمدرسة، فتغرس في ذهن الطفل معنى الإنسان وجوهره، وتشرح له أنّ اختلاف الألوان مسألة علمية لها علاقة بالتصبغ والميلانين واختلاف البيئة والطقس… إلى آخر ما يقوله الدرس العلمي في هذا الباب. والخلاصة إنْ استدرجك العنصري إلى مربع الفخر بالماضي، والاستخفاف به كما يستخف بك، فقد كسب المعركة؛ لأنّه يلعب على أرضه. والصحيح أن تعيده إلى أصله الإنساني المشترك، حتى وأنت تدرك أنّ نتيجة هذه المعركة الفشل في كسبه إلى صفك؛ فليست العبرة في النتيجة، ولكن في المبادئ التي تُسيرها أو تحكمها، وقد لا يمكن نزع فكرة الاصطفاء من عقول الكبار، لكن يمكن غرس فكرة الإنسانية في نفوس وعقول الأطفال. المصدر : حفريات
كاتب يمني
مشاهدة أقيال اليمن: هل يشكلون عنصرية مضادة؟
يذكر بـأن الموضوع التابع لـ أقيال اليمن: هل يشكلون عنصرية مضادة؟ قد تم نشرة ومتواجد على كريترنت وقد قام فريق التحرير في مصادر 24 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.