• اخبار محلية

    قراءة في حرب القرارات المصرفية الأخيرة….


    1110 قراءه

    2024-06-05 18:47:42

    بداية لا بد من التأكيد على أهمية أن يتحلى متخذو القرار في البنك المركزي في كل من عدن وصنعاء بالعقلانية والحكمة، فإدارة السياسة النقدية وتسيير عمل الجهاز المصرفي يتطلب استشعار المسؤولية الوطنية في الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي وعدم إتخاذ إجراءات أو قرارات تزيد من الهلع وعدم اليقين لدى أصحاب الأعمال ولدى عامة الناس،

    وواضح أن الوضع الراهن لا يحتاج إلى مغامرات غير محسوبة العواقب أو إلى بناء متاريس وقلاع لشن معارك أو صراعات عدمية وعبثية، بل إن واقع اليمن يتطلب بناء الجسور وتعزيز قنوات التواصل والحوار للخروج بالبلاد والعباد من هذا الوضع المزري والتطلع إلى آفاق المستقبل الواعد بالخير والسلام لليمن الموحد،

    وفي ظل هكذا وضع يمكن تقديم قراءة سريعة، لتداعيات القرارات الأخيرة الصادرة عن كل من بنكي مركزي عدن وصنعاء، على أمل أن تتحول المحنة القائمة إلى فرصة سانحة للحوار والتوافق على إعادة الاعتبار للمؤسسة الوطنية "البنك المركزي" ليكون سدا منيعا أمام مشاريع الإنقسام والتشرذم، ويمكن أن تكون هذه الملاحظات من باب التفكير بصوت عال وبحيادية وموضوعية،

    أولا: قرار بنك مركزي عدن باستبدال العملة القديمة الصادرة قبل عام 2016، هو تحصيل حاصل، فمنذ عام 2019، معظم العملة القديمة سُحبت من مناطق عدن إلى مناطق صنعاء، بسبب منع بنك مركزي صنعاء التعامل بالعملة الجديدة، وتباين سعر الصرف بين صنعاء وعدن، وهذا القرار سيدفع الجهات التي لديها عملة قديمة في مناطق عدن، مثل البنوك أو الصرافين أو التجار إلى تهريبها إلى مناطق صنعاء وصرفها بما يساوي ثلاثة أضعاف قيمتها في عدن، لأن تسليمها إلى بنك عدن سيشكل خسارة كبيرة على من يحتفظ بها،

    وهذا سيساعد في زيادة السيولة في مناطق صنعاء ولكن بنسبة بسيطة، لأن العملة القديمة قد رُحلت إلى مناطق صنعاء خلال السنوات الخمس الماضية، وقد لا يكون له تأثير كبير على الأوضاع المعيشية والمالية في مناطق صنعاء،

    ثانيا: القرار الذي سيكون له تأثير هو وقف التعامل مع بعض البنوك التجارية الكبيرة مثل التضامن واليمن الدولي والكريمي وغيرهم، لأن هذا التوقيف سيؤدي في مرحلة لاحقة إلى منعهم من استخدام شبكة التحويلات المالية الدولية المعتمدة لدى بنك مركزي عدن، مثل نظام سويفت (SWIFT) وأيبان (IBAN) وكذلك حرمانها من استخدام شبكة التحويلات المالية المحلية الموحدة (UNMONY)، وهذا سيسبب خسائر لتلك البنوك وعدم قدرتها على إجراء المعاملات المالية مع البنوك والشركات الخارجية والمنظمات الدولية أو مع عملائها المحليين من شركات وتجار وغيرهم،

    كما سيمنع تلك البنوك من الدخول في المزادات العلنية لبيع الدولار التي يعقدها بنك مركزي عدن بشكل دوري، وهذا سيحرم تلك البنوك من النقد الأجنبي اللازم لتمويل التجارة الخارجية عبر خطابات الضمان والاعتمادات المستندية وغيرها، وسيؤثر سلبا على علاقة تلك البنوك بالبنوك المراسلة بالخارج، وهذا يمثل خسائر إضافية كبيرة عليها، كما أن تلك البنوك قد تحرم من المشاركة في المزادات الخاصة بأذون الخزانة والسندات الحكومية التي أعلن عنها بنك مركزي عدن مؤخرا،

    إضافة إلى أن القرار سيجعل البنوك في عدن هي النافذة الرئيسية والرسمية للتعامل مع العالم الخارجي سواء في تسهيل الحركة التجارية أو في التحويلات الدولية، وستفقد البنوك في صنعاء هذه الميزة المهمة، مما يعزز بنك مركزي عدن من قدرته على التحكم والرقابة على حركة التحويلات والتمويلات المالية الداخلية والخارجية،

    وبالنتيجة، سيصبح ميناء عدن هو البوابة الرئيسية لاستقبال السلع المستوردة من الخارج، وبالتالي تهميش ميناء الحديدة في هذا المجال، وهذا سيكون له تداعياته على أسعار السلع المستوردة وتكاليف تخليصها ونقلها إلى مناطق صنعاء، وكل ذلك سيتحمله كاهل المواطن الغلبان في مناطق صنعاء،

    ثالثا: يلاحظ أن قرارات بنك مركزي صنعاء جاءت كرد فعل وتبين مدى التمترس والاستعداد للمنازلة أكثر منه الجنوح للحوار والتفاهم والذي يجب أن يكون سمة يتخلى بها الطرفان، فأحد هذه القرارات تحضر التعامل مع عدد من المؤسسات المالية العاملة في مناطق عدن، إنما يكاد يكون جميع المؤسسات والبنوك المذكورة في القائمة ليس لهم أنشطة مالية أو مصرفية في مناطق صنعاء، ومجال عملهم في مناطق عدن، ولهذا فإن هذا القرار يعتبر تحصيل حاصل أو إسقاط واجب، فكل تلك البنوك ستمارس نشاطها في مناطق عدن وسيحضون بالدعم والتسهيلات من بنك مركزي عدن، وقد لا يؤثر هذا القرار على أداء أعمالهم، كما أن قرار تجريم تبادل المعلومات النقدية والمصرفية تنقصه الحكمة والمهنية، فالأعمال المصرفية تتطلب الشفافية والوضوح عن ميزانيات البنوك ومكوناتها وعن مراكزها المالية ومدى جارتها الإئتمانية وغيرها من المعلومات،

    وإجمالا، فإن القرارات المصرفية الأخيرة تأتي في إطار حرب مصرفية بين البنكين، وقد تتلوها قرارات أخرى، وهي بشكل عام تمثل هروبا إلى الأمام من إدارات البنكين، وعجزا عن تقديم حلول ناجعة للأزمة النقدية، وهذا المسار له نتائج سلبية على أداء البنوك العاملة في مناطق صنعاء والتي هي في حالة شلل عملياتي وفي حالة إفلاس مالي، والأجدر بالسلطتين في عدن وصنعاء أن يتحملوا المسؤولية لإنقاذ النظام المصرفي وتوحيد السياسة النقدية بالبلاد.

    ففي لبنان ظلوا في حرب أهلية لمدة 15 سنة، وظل البنك المركزي واحد يخدم جميع الأطراف، وفي ليبيا، رغم وجود حكومتين في طرابلس وبنغازي لكنهم أتفقوا على بنك مركزي واحد يخدم الحكومتين.

    وفي اليمن، للأسف، ضاعت الحكمة وفقدت الإرادة لمعالجة الأزمات المستفحلة، ونخشى أن تجلب الحرب المصرفية كوابيس حروب أخرى الجميع في غنى عنها،

     (من صفحة الكاتب في الفيس بوك)

     

     



    مصادر 24 قارئ إخباري مستقل حيث والمواد الواردة فيه لا تعبر عن رأي الموقع ولا يتحمل اي مسؤولية قانونية عنها  
    جميع الحقوق محفوظة لدى مصادر 24