• دليل المواقع

  • عربي ودولي

    مالك جندلي.. شاهدٌ على مجازر حماة كسر صمت الطفولة بسيمفونية للحرية!


    821 قراءه

    2025-01-31 16:30:31
    174

    في صباح يومٍ شتوي بارد من أيام شهر مارس/آذار 1982، ركب مالك جندلي السيارة مع والده، ليرافقه في جولة مرعبة لم يكن يدرك أنها ستغيّر حياته.

    استغل الطبيب صلاحياته ليقطع 45 كيلومترا مليئة بحواجز الجيش، وينتقل مع ابنه الذي لم يتم عامه العاشر من مدينته حمص إلى جارتها حماة، علّه يتأكد مما يتناقله الناس همسا عن مجازر مروّعة ارتكبها نظام حافظ الأسد وشقيقه رفعت بحق أهالي المدينة.

    في حماة، وقعت أعين الطفل الصغير على مشاهد لم ينسها حتى اليوم، صورٌ مرعبة شكّلت وعيه حول نظام دموي حكم سوريا بالحديد والنار قرابة 54 عاما.

    كانت جولة صامتة في الشوارع المنكوبة، بين البيوت التي هُدمت، وحول جثث الأرواح التي أُزهقت، حيث كان الخراب اللغة الوحيدة للمكان. وحين تجرأ على سؤال والده عمّا جرى، لم يجد الأب من الكلمات ما يشبع فضول طفله المصدوم سوى التلميح، لأن الحقيقة كانت أثقل من أن تُقال، والخوف من "الحيطان وآذانها" أكبر من أن يُقاوم.

    كبر جندلي وهو يحمل في ذاكرته ذلك الوجوم الذي ملأ شوارع حماة، ليحوله لاحقًا إلى موسيقى تُحاكي الوجع، وتنطق بما لم يجرؤ أحد على البوح به حينها.

    لم تكن الثورة السورية بالنسبة له لحظة طارئة، بل امتدادًا لمسيرة بدأت منذ الطفولة، حين أدرك أن الموسيقى قد تكون صوتًا للمقهورين، وسلاحًا في وجه الطغاة.

    إعلان

    صاغ الموسيقار السوري سيمفونية وَطَن يحاول أن ينهض من رماد الحرب والألم، فلم لم تكن الموسيقى بالنسبة له مجرد نوتات على ورق، بل صوت شعب جريح، يروي قصته للعالم، ويوثق أحلامه وآلامه في 4 حركات.

    وخلال زيارته إلى الدوحة تحدث جندلي للجزيرة نت عن "نشيد الأحرار"، وعن السيمفونية السورية التي تجسد وجع المنفى، وأحلام العودة إلى الوطن، وكشف خطط عزف أعماله في الساحات التي شهدت تضحيات السوريين وصمودهم.

     

    طرحت في أبريل/نيسان 2013 أغنية "سوريا نشيد الأحرار"، ورشحها البعض لتكون نشيدا وطنيا لسوريا الجديدة حين كان المعارضون ينظرون إلى رحيل النظام على أنه مجرد حلم. الآن وقد سقط النظام، ماذا تقول عن هذه الأغنية؟

    كان "سوريا نشيد الأحرار" ثمرة ثورة الشعب، كان نبض سوريا وروحها. أطلقت على الأغنية هذا الاسم؛ لأنني لاحظت أن النشيد الوطني الرسمي "حماة الديار" يخلو من كلمة "سوريا". كتبتُ أنا الكلمات، وكانت هناك محاولات للتعاون مع الشاعر أحمد فؤاد نجم لم تكلل بالنجاح، فاعتمدتُ كلماتي كما هي، وسجّلناها مع دار الأوبرا في مصر باسم "سوريا نشيد الأحرار" أو "وطن الأحرار والحرية".

    ألّفته من وحي الشارع، وتداوله الناس؛ لأنه يمجد وطننا سوريا، ويذكر الطفولة والزيتون والفخار والأنبياء والشهداء. إنّه قطعة موسيقية تشتمل على غناء وكورال مع أوركسترا دار الأوبرا المصرية.

     

    ماذا عن "السيمفونية السورية"؟ هلّا حكيت لنا عنها؟

    شهدتُ الثورة السورية منذ بداياتها، عندما كنا نفقد 80 أو 90 شهيدًا يوميًا في مظاهرات سلمية، فأثّرت هذه الأحداث في وجودي كإنسان وكفنان، ودفعتني للتساؤل: ما واجبي؟ وكيف أقف مع شعبي وأطفالي وحضارتي التي تتعرض للخطر؟ وكيف أقف مع الشجعان الذين واجهوا الرصاص في مظاهرات سلمية وسط بروباغندا تشويهية؟

    قررتُ إصدار سيمفونية تُجسّد ثورتنا وواقعنا المؤلم، وتهدف إلى نشر رسالة سلام وأمل بالنصر، وترسم صورة لسوريا خالية من قاتل الأطفال.

    باعتباري فنانًا سوريًا أبحث عن نقل الحقيقة، فإن واجبي الأخلاقي والإنساني أن أُجسّد صوت السوريين لكن دون كلمات، بل بلغة الموسيقى العالمية على خشبات مسارح العالم، لأقول إننا متساوون مع الجميع كبشر، ونستحق الحياة في وطن ودولة حرة تضمن لنا الحرية والكرامة والعدالة، وبأسلوب حضاري يواكب ثقافات العالم.

    إعلان

    وبالفعل، عرضنا في الدوحة يوم السبت الماضي العرض العالمي الأول لـ"السيمفونية السورية". إنها سيمفونية بكل ما تعنيه الكلمة، فعندما يرى المشاهد آلات أوركسترا، لا يعني ذلك بالضرورة أننا أمام سيمفونية حقيقية. أما ما قدمناه، فهو عمل سيمفوني متكامل وجدّي، يوثّق الثورة ويقدّمها على خشبات المسارح العالمية، لنُخاطب البشرية بأسرها ونؤكد أننا -نحن السوريين- جزء من هذا العالم، وأن ألحاننا تستحق أن تكون ضمن الإطار السيمفوني العالمي.

    الموسيقار مالك جندلي خلال حفل في العاصمة دمشق قبل اندلاع الثورة السورية بأشهر (رويترز)

    هذه السيمفونية عمل موسيقي كلاسيكي في قالب سيمفوني حقيقي مكون من 4 حركات، ولحنتُ فيه تراثنا وأهازيج الثورة مثل "يا الله" و"سكابا"، تناولت حمزة الخطيب وغياث مطر وكل ما يرتبط بالمظاهرات السلمية، وصولًا إلى الحركة الرابعة التي تمثل سيمفونية النصر. علمًا أننا حين كنا نكتب هذه السيمفونية، عايشنا أحداثا جساما مثل القصف الكيميائي، ومجزرة التضامن وغيرها من المآسي، ومع ذلك بقي الأمل يحدونا لأن الشعب السوري محب للحياة.

    رغم الظلم والاعتقالات والمجازر واستخدام السلاح الكيميائي في وجه الشعب وسواد الواقع، كنا نكتب "السيمفونية السورية" باسم الطفولة والإنسانية والسلام، وكنا على يقين بأن النصر آت لا محالة.

    تمثّل الحركة الرابعة نشوة النصر وعودة سوريا إلى شعبها. إنها أول سيمفونية أؤلّفها في مسيرتي الفنية. قبلها، قدّمت ألبوم "أصداء من أوغاريت"، وبعض المقطوعات للبيانو والأوركسترا، لكن هذه أول سيمفونية جادّة أكملها من وحي الثورة السورية وتضحيات الشعب.

    السيمفونية هي توظيف للقوة الناعمة للفن؛ إذ أدركنا أننا ممنوعون من المشاركة الفاعلة في الحلول السياسية والعسكرية المطروحة من الخارج. لذلك لجأنا للفن بلغة العالم، بدون الحاجة لظهوري شخصيًا على المسرح، إذ يمكن لأوركسترات أجنبية عزف عملنا في كل مكان. وهذا ما حدث في قطر، حيث أدت فرقة قطر الفلهارمونية عملنا السوري بكل جدية.

    إعلان

    ⁠قمنا بطرح ألبوم السيمفونية السورية من قاعة كارنيغي بنيويورك، وهي متوفرة حاليا حول العالم على منصات الموسيقى الرقمية مثل "آبل ميوزيك" و"سبوتيفاي".

     

    بما أننا نتحدث عن الثورة، فنحن نعيش حالياً لحظة انتصار. هل ترى أن "السيمفونية السورية" وثقت الألم دون الانتصار؟

    "السيمفونية السورية" التي تشهدها الدوحة قبل أيام تُجسّد الألم والأمل في آن معًا.

    في بداية الثورة، عندما انتفضت درعا أولًا، نادت حمص قائلة "يا درعا نحنا معاكي للموت"، وبعد فترة وجيزة أصبح النداء "يا الله، ما لنا غيرك يا الله" بنفس النغمة، لأن السوريين أدركوا حجم الخذلان الدولي. إن هذه التحوّلات تجلّت في الثيمة الموسيقية للسيمفونية.

    السيمفونية تسعى في البداية إلى نقل بشاعة الواقع كما حصل في سجن صيدنايا، لكنها تعود في حركات لاحقة لتبعث الأمل والسعادة.

    لديّ أيضًا أعمالٌ أخرى، مثل "مرثاة" و"طائر العنقاء في المنفى" و"المحيط الصامت" التي تروي قصة الطفلة التي غرقت في البحر، وغيرها من المؤلفات التي تتناول هذا الألم.

    أما "السيمفونية السورية"، فتشتمل على مشاعر مختلفة، إذ أهدينا جزءًا منها لعبد الباسط الساروت الذي أصبح رمزًا للمظاهرات السلمية، إضافة إلى حمزة الخطيب وصرخات المظاهرات الأولى في درعا.

     

    متى نراك تقدّم هذه السيمفونية في سوريا؟

    كُتبت هذه السيمفونية بين عامي 2012 و2013 في وقت تخلّى فيه العالم عنّا، بينما كان الشعب السوري بأمسّ الحاجة لأي بارقة أمل أو عمل فنيّ كبير مثل السيمفونية. حلمي أن تُقدَّم في جولة داخل سوريا، وأن تكون العروض مجانية دون مقابل مالي، في بصرى الشام، وقلعة حلب، وساعة حمص، وفي مختلف المراكز الثقافية في البلاد.

    أعمل على أن يكون هناك حفل عام لجميع أبناء الشعب، لأنهم يعانون، فالآباء والأمهات والأخوات والأطفال كلهم متألمون بعد كل ما حدث من مآس. هذا العمل يُمثِّلهم، فقد خرج من رحم الشارع السوري وإليه. أنا مدين للشعب السوري بكل ما أقدمه، وأريد أن أكسر الحاجز بين ما يُسمّى "الفن الراقي" وبين الشارع السوري الذي أراه أكثر رقيا، يكفي أنه قدّم تضحيات هائلة؛ فالطفل السوري، وحمزة الخطيب، و"الخوذ البيضاء" وغيرهم، هم الأرقى من أي توصيف يُقال عنهم.

    الموسيقار السوري مالك جندلي خلال لقائه بملكة إسبانيا السابقة صوفيا (الأوروبية) حدّثني عن المستقبل، احكِ لي عن أوبرا "الساحة" التي تعمل عليها. إعلان

    أوبرا "الساحة" هي عملي القادم، وقد شارف على الانتهاء مع لحظات النصر والتحرير في سوريا. صحيحٌ أننا انتصرنا بهروب قاتل الأطفال -بشار الأسد-، لكن الثورة مستمرة فكريًا وثقافيًا. أعمل على أوبرا متكاملة منذ 5 سنوات تقريبًا، وقد سجلنا "الديمو" الخاص بها في دار الأوبرا في كندا (تورونتو)، ونقدّم الآن مقتطفات منها في بعض العواصم العالمية لنقول للعالم إننا جزء منه ونستحق الفن الأوبرالي كما يستحقه غيرنا.

    عندما افتُتحت قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل، استقدموا المؤلف الإيطالي جوزيبي فيردي لأداء أوبرا "عايدة"، وكنت أتمنى لو قام عليها موسيقيون مصريون.

    نحن في سوريا لدينا اليوم ثورة وهي جزءٌ من هذا العالم، ولا ينقصنا شيء على المستوى الثقافي أو الفكري أو الفني. نسعى عبر هذه الأوبرا المؤلفة من فصلين إلى إدخال مقوّماتنا العربية والإسلامية وتراثنا الغنيّ في سياق عالميّ، إسهامًا في الحركة الثقافية العالمية المعاصرة.

    في الغرب، أحدثت حداثة بيكاسو -عندما نقل الأذن مكان العين وغير مواضع التفاصيل- ثورة في المفاهيم الجمالية. واليوم، لا بد أن ندفع  الغرب للتعرّف على نقاء وصفاء حضارتنا وتاريخنا وهويتنا الإسلامية والعربية.



    مشاهدة مالك جندلي.. شاهدٌ على مجازر حماة كسر صمت الطفولة بسيمفونية للحرية!

    يذكر بـأن الموضوع التابع لـ مالك جندلي.. شاهدٌ على مجازر حماة كسر صمت الطفولة بسيمفونية للحرية! قد تم نشرة ومتواجد على الجزيره وقد قام فريق التحرير في مصادر 24 بالتاكد منه وربما تم التعديل علية وربما قد يكون تم نقله بالكامل اوالاقتباس منه ويمكنك قراءة ومتابعة مستجدادت هذا الخبر او الموضوع من مصدره الاساسي.


    مصادر 24 قارئ إخباري مستقل حيث والمواد الواردة فيه لا تعبر عن رأي الموقع ولا يتحمل اي مسؤولية قانونية عنها  
    جميع الحقوق محفوظة لدى مصادر 24