|
اخبار محلية
إلامَ يهدف تجويع المزارعين في اليمن؟
همدان العليي يكتب: إلامَ يهدف تجويع المزارعين في اليمن؟ يلعب القطاع الزراعي في اليمن دورًا أساسيًّا في دعم الأمن الغذائي والحد من تفشي الفقر والجوع؛ فهو يُوفِّر ما نسبته 25% من الاستهلاك الغذائي*، ويشمل 40.9% من إجمالي الأيدي العاملة في البلاد* سواء بشكل مباشر من خلال الأنشطة الزراعية المختلفة أو بشكل غير مباشر من خلال الأعمال ذات العلاقة بالخدمات والتجارة أو التصنيع والنقل. كما أنَّ القطاع الزراعي يساهم بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي*، ويتركز في الريف اليمني حيث يتفشى الفقر والعوز*. لكن الحرب التي تصاعدت في سبتمبر/ أيلول 2014م، ألحقت أضرارًا بالغة بهذا القطاع الهام والحيوي، حيث تسبَّبت في خسائر كبيرة ودفعت أعدادًا هائلة من المزارعين إلى رصيف البطالة أو إلى جبهات القتال. وبعدما كان كثير من المزارعين اليمنيين يصدرون الخضروات والفواكه والحبوب من مزارعهم إلى مختلف المحافظات اليمنية وإلى خارج اليمن أيضًا، باتوا يعتمدون بشكل مباشر على ما تُقدِّمه المنظمات الدولية من مساعدات بسيطة بين الحين والآخر. كان لارتفاع أسعار الوقود وإخفائه من الأسواق بين الفينة والأخرى وبشكل مُمنهَج في مناطق سيطرة الحوثيين، الدور الأكبر في الإضرار بقطاع الزراعة وتضرر قطاع كبير من السكان في اليمن. أغلب المزارعين الذين يعتمدون على الوقود لاستخراج المياه من باطن الأرض واستخدامها في الري أو نقل الثمار أو تخزينها، توقَّفوا عن العمل وبحثوا عن بدائل مختلفة، كان أبرزها حَمْل السلاح والقتال*. أوضح فاروق محمد قاسم، وهو مدير عام التسويق بوزارة الزراعة، أنَّ الاضطرابات الأمنية وأزمة الوقود أدَّت لخسائر فادحة للقطاع الزراعي في اليمن، وتوقّف تصدير المنتجات الزراعية إلى الأسواق الخارجية جراء الحرب وانعدام الديزل*. في محافظة ذمار وحدها، التي تُعَد من أبرز المحافظات الزراعية شمال اليمن، عدّد مدير الإرشاد الزراعي في مكتب الزراعة بالمحافظة، فؤاد الكواري، الأسباب التي تسبَّبت في أضرار لحقت بالقطاع الزراعي، من أبرزها انعدام الوقود الذي لم يَعُد يتوفَّر إلا في السوق السوداء بأسعار باهظة. وأوضح الكواري أنَّ نسبة الأضرار التي أصابت القطاع الزراعي في ذمار وصلت إلى نحو 80%، فضلًا عن عزوف الأهالي عن الزراعة، وما خلَّفه ذلك من أضرار على الأمن الغذائي في البلاد، وندرة وارتفاع أسعار الحبوب والخضار والفاكهة*. لم يتوقف الأمر عند حرمان المزارعين من المشتقات النفطية، بل قامت جماعة الحوثي بإحراق مزارع المواطنين الرافضين لتواجدها في منطقتي مريس والفاخر التابعتين لمحافظة الضالع جنوبي اليمن. خلال شهر مارس/ أذار 2022م، تعرضت أكثر من 285 مزرعة مملوكة لمواطنين في مناطق الزيلة، وصولان، وحجلان، والرفقة، ويعيس، وغول الحيافي للإحراق، بحسب شهادات تلقيتها من سكان المنطقة. كذلك أحرقوا عشرات المزارع في منطقة حجور التابعة لمحافظة حجة، وفي مديرية أرحب شمال صنعاء، ومزارع في البيضاء وغيرها من المناطق التي دخلها الحوثيون. ومثل هذه الممارسات - بلا شك - تُذكِّر اليمنيين بممارسات أجداد الحوثيين الذين كانوا يُدمِّرون ويحرقون مزارع اليمنيين، وعلى رأسهم يحيى الرَسِّي الذي كان يقطع الأعناب ويُدمِّر مزارع الرافضين له من القبائل اليمنية مثل آل يعفر وآل طريف وآل الروية وآل الضحاك وغيرهم من قبائل اليمن*. ليس لدى اليمنيين أدنى شك في أن الحوثيين يتعمدون تجويع المجتمع الذي يسيطرون عليه، وخاصة فئة المزارعين، لإخضاعهم والدفع بهم إلى جبهات القتال. هذه حقيقة ماثلة أمامهم تُمارَس منذ بداية الحرب، وهو أسلوب استخدمه أجداد الحوثيين خلال فترات هيمنتهم على بعض المناطق، لا سِيَّما شمال اليمن. وكما هو معروف، عندما جاء يحيى الرَسِّي ومَن معه من الطبريين إلى اليمن، كان يأمر باقتلاع «الزروع والأعناب وقطع النخيل وتدمير البيوت»*. وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه السياسةُ بالإضافة إلى الجبايات الكثيرة التي تُفرض على الفلاحين إلى إفقار فئات واسعة منهم، واضطرارهم لبيع أراضيهم أو تركها بلا اهتمام، والالتحاق بالمعارك، والاعتماد على الغنائم كمصدر لكسب العيش. عُرف الأئمة من (الرسي إلى الحوثي) بأنهم يمارسون سياسة «عسكرة اليمنيين» وتحويلهم إلى عناصر لديها استعداد كامل للقتال والاقتتال، ويمكن إدراك هذا التوجُّه من خلال مطالعة أدبيات وملازم وكتب الحوثيين الجديدة والقديمة. بوسائل مختلفة، يقوم الحوثيون بتحويل الفرد من مواطن مسالم يعمل في التجارة أو الإنتاج الحرفي أو الزراعة وفلاحة الأرض أو الصيد، إلى عنصر محارب مهمته إخضاع بقية المناطق وتهديد السلم العام في اليمن والإقليم، تحت لافتات دينية وسياسية مختلفة تتغيَّر في كُلِّ مرحلة. في السابق كانوا يُدمِّرون ويحرقون المزارع، ويردمون الآبار، أمَّا اليوم فيكفي أن يحرموا اليمنيين من المشتقات النفطية ليدفعوا المزارعين -الذين يعتمدون على المياه الجوفية للسقاية- وغيرهم إلى رصيف البطالة، فيسهل تجنيدهم تحت الحاجة وإرسالهم إلى جبهات القتال، أو حشدهم في الميادين العامة. ولهذا نجد أغلب المقاتلين مع الحوثي ينتمون إلى المناطق التي لا يعتاش أهلها على الزراعة، أو تكون أراضيهم غير صالحة للزراعة. والفلاح غالبًا ما يكون قليل الاستجابة للانخراط في الحرب في موسم الأمطار والزراعة. وهذا ما تؤكده إفادة كثير من الأهالي الذين لاحظوا قلة استجابة سكان الأرياف للتحشيد والقتال بالذات في مواسم الأمطار التي تزدهر فيها محاصيلهم. حيث تصبح مثل هذه المواسم الحافلة بالمنتجات الزراعية لدى المواطنين مواسم كساد في سوق الحرب والتحشيد بالنسبة للحوثيين. نخلص مما سبق إلى أن المزارع يكون ضعيف الاستجابة لدعوات التحشيد عندما تتوفر ظروف وشروط الإنتاج الزراعي. وعلى العكس، «تُمثّل الحرب في نظره مشكلة وعائقًا، لأنَّ اقتصاده مبنيٌّ على أعمدة من الاستقرار والسلام»*. مصادر وهوامش: -منظمة الأغذية والزراعة وآخرون، التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، ديسمبر/ كانون الأول 2018م. -الجهاز المركزي للإحصاء، مسح القوى العاملة، 2014م. -نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، العدد 38 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018م، نقلاً عن الجهاز المركزي للإحصاء، مسودة الحسابات القومية، 2017م. -نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، مصدر سابق. -الحرب في اليمن تُكبّد الزراعة 6 مليارات دولار، العربي الجديد، 5 يوليو/ تموز 2015م. -اليمن – ضريبة الحرب تدفعها الزراعة والغذاء، إذاعة صوت ألمانيا أو دويتشه فيله DW، 15 سبتمبر/ أيلول 2018م. -خيوط الظلام.. عصر الإمامة الزيدية في اليمن، مرجع سابق، ص53. -الهادوية بين النظرية السياسية والعقيدة الإلهية، مصدر سابق، ص98. -جغرافيا الحرب والزراعة في اليمن، فارع المسلمي، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 3 سبتمبر/ أيلول 2015م. • من كتاب "الجريمة المركبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن"